الذكريات الحلوة …أقوى! تتمة

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

وسط العاصفة

ومضت فترة من الوقت ،وهو جالس في مكانه لايتحرك..وقد إنصرف بفكره كله إلى تلك اللحظات العاصفة التي سبقت مجيئه إلى هذا المكان ، حتى أنه لم يسمع صوت صديقه الذي مر عليه محييا..ولم يشعر به إلا عندما وجده يقف أمامه وجها لوجه ويمد إليه يده مصافحا..ودعاه إلى الجلوس ،ففعل وأمضى الصديقان بضع دقائق يتحدثان ، فقد كان يحس بحاجة شديدة لأن يتحدث إلى أي شخص، وفي أي شيء..إلا أن الصديق مالبث أن شعر بأن شيئا مايؤرق صاحبه، فإستأذن بالإنصراف..وعاد الزوج مرة أخرى إلى أفكاره ومتاعبه مع الحياة..ولكنه في هذه المرة بدا أقل إنفعالا..لقد بدأت الثورة التي كانت تعتمل في صدره تهدأ وتخبو..

مع الناس

ولجأة ولأول مرة منذ أن إختار هذا المكان ملجأ له، وجد نفسه يتطلع إلى وجوه الناس الذين كانوا يروحون ويغدون أمامه، وراح يتفرس في هذه الوجوه وكأنه لم يرى وجوها لبشر من قبل!

رجل جامد الوجه تنم ملامحه عن تصميم أكيد،يمر أمامه وهو يسرع الخطى، ولا يكاد يحس بأحد من حوله..فتاة صغيرة تحمل حقيبة كتبها وقد إرتدت زيها المدرسي ،وراحت تسير في خطى ثابتة ..أنها تعرف طريقها..نفس الطريق الذي تسير فيه كل يوم..طريق العودة إلى البيت بعد إنتهاء اليوم الدراسي ..زوجان. .الأب يحمل طفلتهما ويحنو عليها، ولا يكف عن مداعبتها والتطلع إلى وجهها الحلو.. والأم تمسك بيد طفلتها وتلثمها بشفتيها ..أسرة سعيدة صغيرة..

وتمر لحظات تظهر إمرأة عجوز، أحنت السنون ظهرها، فراحت تمشي في خطى ضعيفة مترددة وهي تعتمد على ذراع حفيدتها..ووراءهما زوجان آخران..إنهما يسيران معا، ولكنهما يبدوان وكأن كلا منهما يمت إلى عالم آخر غير عالم صاحبه..وجهان تعلوهما التعاسة..وعيون تحتويها الكآبة ..وتتحرك شفتا الزوج..إنه يقول شيئا ..ولكن الزوجة الصامتة لاترد! وخلفهما مباشرة سار أبناؤهموألم؟ثلاثة..ولدان وفتاة كلهم في سن المراهقة..وتتقدم الفتاة قليلا لتقترب من أمها وتهمس في أذنها ببضع كلمات..ولكن الأم تشيح عنها بوجهها، وكأنها لا تسمع ،أو أنها تسمع ولا تهتم بما تسمع!

وإستمرت الوجوه تمضي أمامه..وهو ينتقل ببصره من وجه إلى وجه..لم يكن يهمه أو يثير إنتباهه أي شيء غير وجوه الناس الذين يمرون أمامه، والتعبيرات التي تظهر عليها..وجوه شابة ووجوه قطعت من رحلة العمر نصفها أو أكثر..ووجوه شاخت وإمتلأت بتجاعيد السنين ..ووجوه من كل لون..وجوه سعيدة تبتسم للدنيا..ووجوه تعسة كئيبة..

صورة الحياة

وسرح بفكره،وشرد قليلا..ثم مالبث أن أفاق من وقفته..وكأنه قد عثر على شيء..هذه الوجوه المتباينة..هذه النماذج المختلفة من الناس..هذه الصور التي مرت أمامه..أليست هي الحياة بذاتعا..الحياة بكل مافيها من سعادة وشقاء..حب وكراهية..فرح وألم؟

وأحس برغبة في الهرب..ولكن إلى أين؟ وقام من مقعده..ومشى.وقادته قدماه إلى شاطئ البحر القريب..

وعلى الرمال عاد يلقي بجسمع ويتكئ على ساعده، ويرقب مياه البحر الممتدة أمامه..ورآها قادمة من بعؤد..موجة عاتية شامخة،وقد راحت تقترب وتقترب..ثم بدأت تهدأ وتضعف وتضعف، حتى إذا ما وصلت إلى الشاطئ راحت تمتزج برماله..لقد ضاعت وكأنها لم تكن..ولكنها قبل أن تتلاشى تماما تظهر من ورائها ..ومن بعيد موجة أخرى شامخة عاتية أيضا، وقد أخدت تسير في نفس الطريق إلى مصيرها المحتوم!..

ومرة أخرى شرد ذهنه..وراح يساىل نفسه..أليست هذه هي الحياة..شباب وشيخوخة ثم نهاية..أين كان مولدها..هناك في قلب المياه الواسعة الممتدة عل. مرمي البصر..ولعلا ميلادها هوالشيء الوحيد الذي لم يره،ولا يعرف نن أين بدأ..ولعله أيضا وجه الخلاف الوحيد بين أمواج البحروالبشر! فنحن نعلن من أين جئنا.. وكيف!

ص2.                         يتبع

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.