الوضع في الجزائر: استحواذ العسكر وكبح الحراك الشعبي وسط محاولات لتشتيت الانتباه نحو المغرب
دواي طارق
تعيش الجزائر أوضاعاً معيشية واقتصادية متأزمة، تعكس الفشل المتراكم لسياسات النظام العسكري الذي يُمسك بزمام السلطة في البلاد. في الوقت الذي يزداد فيه الضغط الشعبي للمطالبة بالإصلاح السياسي والحكم المدني، يواصل النظام استخدام أدوات القمع وكبح أي تحرك شعبي من خلال الاعتقالات والترهيب، مرفقاً ذلك بسيطرة مطلقة على الإعلام الذي بات واجهة للترويج لسياسات السلطة وإسكات الأصوات المعارضة.
فمنذ الاستقلال، أُعيد إنتاج نموذج السلطة العسكرية التي هيمنت على جميع مؤسسات الدولة، حيث تتحكم المؤسسة العسكرية في مفاصل السياسة والاقتصاد وحتى القضاء، ما جعل الدولة رهينة قرارات لا تخدم سوى الطبقة الحاكمة. هذا الوضع أدى إلى تهميش صوت الشعب ومطالبه المتزايدة بالديمقراطية، والتي بلغت ذروتها مع انطلاق الحراك الشعبي في 2019.
رغم الوعود بالإصلاحات التي قدمها النظام لمواجهة الحراك، فإن واقع الحال يشير إلى استمرار سياسة القمع. عشرات الناشطين الحقوقيين والسياسيين يقبعون في السجون بتهم وُصفت من قبل منظمات حقوقية بأنها فضفاضة وغير عادلة. كما أُغلقت الأبواب أمام حرية التعبير، حيث أصبح الإعلام الجزائري موجهاً بالكامل لخدمة أجندة السلطة، مع تغطية موجهة لتجاهل المطالب الشعبية وتسليط الضوء على قضايا تخلق حالة من الإلهاء.
في محاولة لتشتيت الانتباه عن الفشل الداخلي، يعمد النظام الجزائري إلى استخدام سياسة خلق عدو خارجي، غالباً ما يكون المغرب في واجهة هذه الدعاية. التوترات التي يتم تأجيجها بين البلدين، خاصة حول قضية الصحراء المغربية، تُستخدم كأداة لتحفيز الشعور الوطني وصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية. الخطاب الرسمي الذي يربط الوضع الداخلي بـ”تهديدات خارجية” يعكس عجز السلطة عن معالجة القضايا الجوهرية مثل البطالة، تدهور التعليم، وانهيار الخدمات العامة.
بالسيطرة العسكرية المطلقة وغياب الحكم المدني جعلا الجزائر تتراجع على كافة الأصعدة. معدلات الفقر والبطالة في تزايد مستمر، مع تدهور البنية التحتية، وضعف النظام الصحي، وفقدان الثقة الشعبية في الحكومة. هذا التردي لا يهدد فقط استقرار البلاد، بل يضعها في موقف هش على المستوى الإقليمي والدولي، وسط مخاوف من أن تتحول الأزمة الداخلية إلى حالة انفجار اجتماعي يصعب احتواؤها.
ووسط هذا المشهد القاتم، لا تزال هناك أصوات تطالب بالتغيير الحقيقي. الجزائريون يدركون أن الخروج من الأزمة يمر عبر بناء نظام ديمقراطي مدني، يقوم على احترام الحريات والفصل بين السلطات. لكن هذه المطالب تواجه تحديات كبرى في ظل تمسك العسكر بالسلطة وغياب أي مؤشرات على استعدادهم للتخلي عن سيطرتهم المطلقة.
وتستمر معاناة الجزائريين في ظل الأوضاع المزرية التي يعيشونها، بينما يتجه النظام إلى تعزيز قبضته الحديدية، في وقت تتزايد فيه الدعوات للإصلاح والتغيير كسبيل وحيد لإنقاذ البلاد من الانهيار.