قيام ليلة القدر بين الضوابط الشرعية والعادات السائدة في المغرب
تُعد ليلة القدر من أعظم الليالي في الإسلام، حيث أنزل فيها القرآن الكريم، وهي خير من ألف شهر، إذ تتنزّل فيها الملائكة بالرحمة والبركة، ويستجيب الله فيها الدعوات. ولهذا يحرص المغاربة، كغيرهم من المسلمين، على قيامها والاجتهاد في العبادة، من صلاة وذكر وقراءة للقرآن، طلبًا للأجر والمغفرة.
لكن وسط هذه الأجواء الروحانية، لا تخلو بعض العادات والتقاليد من ممارسات لا تمتّ بصلة إلى روح الليلة المباركة، بل تتعارض أحيانًا مع الضوابط الشرعية، مما يطرح تساؤلات حول ضرورة تنقية هذه الليلة من المظاهر السلبية التي قد تشوبها.
ففي المغرب، تُقام ليلة القدر باحتفالات خاصة، حيث يحرص الكثيرون على إلباس الأطفال الصغار لباسًا تقليديًا فخمًا، وإقامة الولائم، وتحضير الحلويات، كما تنتشر بعض الطقوس التي تبتعد عن جوهر العبادة الحقيقية، مثل في بعض العائلات، تتحوّل الليلة إلى مناسبة اجتماعية أكثر منها روحية، حيث يُنفق المال على الملابس والهدايا للأطفال، بدلًا من استغلالها في الصدقات وأعمال الخير.
ويعتقد البعض أن لهذه الليلة “بركات خاصة” تتعلق بتحقيق الأمنيات، فيلجأون إلى أساليب غير شرعية مثل كتابة الطلاسم أو إشعال البخور ،وزيارة القبور بطرق خرافية، اعتقادًا بأنها تجلب الحظ والسعادة.
وتُحضَّر في هذه الليلة ولائم ضخمة، وأحيانًا يُسرف الناس في الطعام والشراب بطريقة تتعارض مع قيم الإسلام في الاعتدال،رغم أن الأصل في ليلة القدر هو الاجتهاد في الصلاة والذكر، إلا أن بعض الشباب يستغلونها للسهر في الشوارع أو الجلوس في المقاهي حتى ساعات متأخرة، مما يُفوّت عليهم فرصة القيام بأفضل الأعمال في هذه الليلة.
ويؤكد العلماء أن أفضل ما يمكن فعله في هذه الليلة هو اتباع ما ورد في السنة النبوية، من قيام وصلاة وذكر ودعاء، والابتعاد عن البدع والمغالاة في الاحتفالات. فقد كانت أم المؤمنين عائشة تسأل النبي ﷺ: «يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟» فقال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» (رواه الترمذي).
فالإخلاص في العبادة دون التركيز على المظاهر،تجنب البدع والممارسات الخرافية التي لا أصل لها في الدين،باستغلال الوقت في الدعاء والذكر بدلًا من الانشغال بالأمور الدنيوية،والحرص على الصدقة وعمل الخير بدلا من الإسراف في الكماليات.
لاشك في أن ليلة القدر هي فرصة عظيمة يجب استثمارها كما أرادها الله، لا كما فرضتها بعض العادات والتقاليد. ولعل التخلّص من الممارسات السلبية التي تشوبها، والتركيز على العبادة الحقيقية، هو السبيل الأمثل لنيل بركات هذه الليلة المباركة، بعيدًا عن كل ما يعكر صفوها من بدع وسلوكيات خاطئة.