العنف ضد الأساتذة… أزمة أخلاقية أم فشل منظومة؟
شهدت المؤسسات التعليمية في السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في وتيرة العنف ضد الأساتذة من قبل بعض التلاميذ، وهو أمر يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التدهور في العلاقة بين المعلم والمتعلم. هل السبب يعود إلى انهيار القيم المجتمعية؟ أم أن التربية الأسرية تلعب دورًا رئيسيًا؟ أم أن الجيل الجديد أصبح غير مسؤول؟ أم أن الحكومة نفسها ساهمت في إضعاف مكانة التعليم العمومي، مما انعكس على احترام الأستاذ؟
لطالما كان للأستاذ هيبة ومكانة محترمة في المجتمع، إذ كان يُنظر إليه باعتباره حامل رسالة سامية، لكن مع تغيّر نمط الحياة وتراجع دور المدرسة كفضاء للتربية إلى جانب التعليم، بدأ الاحترام يتلاشى شيئًا فشيئًا. تراجع السلطة التربوية للأساتذة، وتنامي ثقافة الاستهتار بهم، أضحى سمة بارزة في بعض الأوساط، مما جعل بعض التلاميذ يتجرؤون على ممارسة العنف اللفظي والجسدي ضد من يُفترض أن يكونوا قدوتهم.
فالأسرة هي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل القيم والاحترام، وعندما يتلقى الطفل تربية غير سليمة أو يُترك بدون توجيه، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على سلوكه داخل الفصل الدراسي. كثير من الأولياء، للأسف، لا يولون اهتمامًا كافيًا لسلوك أبنائهم في المدرسة، بل في بعض الحالات، يقفون في صفهم ضد الأساتذة، مما يعزز لدى التلميذ فكرة عدم احترام المعلم وعدم الاعتراف بسلطته داخل الفصل.
لايمكن إنكار أن الجيل الجديد نشأ في بيئة مختلفة تمامًا عن الأجيال السابقة. ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت التلاميذ أكثر ارتباطًا بعالم افتراضي يطغى عليه الاستهزاء والتمرد على القيم التقليدية. كما أن غياب الحس بالمسؤولية وانتشار ثقافة “الحقوق دون واجبات” جعلت بعض التلاميذ يرون أنفسهم في موقع القوة، بينما يُنظر إلى الأستاذ على أنه مجرد موظف بلا سلطة.
من جهة أخرى، يذهب البعض إلى أن تراجع مكانة المعلم مرتبط بسياسات حكومية تُضعف التعليم العمومي، سواء من خلال عدم تحسين ظروف العمل، أو تقليص ميزانية التعليم، أو حتى عبر الترويج الضمني لمؤسسات التعليم الخاص. هذه السياسات، يرى البعض، تُساهم في إضعاف الهيبة الاجتماعية للأستاذ، ما يجعله عرضة أكثر للتهميش والتجاوزات
وللخروج من هذه الأزمة، لا بد من مقاربة متكاملة تتضافر فيها جهود الأسرة، والمدرسة، والحكومة، والمجتمع المدني،لا بد من:
تعزيز التربية الأخلاقية في المناهج الدراسية، والتركيز على أهمية احترام الأستاذ كجزء من منظومة القيم،وتوعية الأسر بدورها التربوي، ومحاسبة التلاميذ الذين يمارسون العنف المدرسي، وفق قوانين رادعة،تحسين وضعية الأساتذة ماديًا ومعنويًا، ومنحهم الحماية القانونية اللازمة وإعادة النظر في سياسات التعليم العمومي، وتقديم الدعم اللازم له بدل تهميشه لحساب التعليم الخاص.
إن احترام الأستاذ ليس ترفًا، بل ضرورة لبناء مجتمع متوازن، فحين يسقط احترام المعلم، يسقط معه التعليم، وحين يسقط التعليم، ينهار مستقبل الأمة.