على الطريق الرابطة بين تطوان ومارتيل، وفي وضح النهار، تتكرر مشاهد مؤلمة لعدد من الأطفال غير الراشدين وهم يتشبثون بمؤخرة حافلات النقل العمومي أو الشاحنات أثناء سيرها بسرعة، في تصرف متهور يعرض حياتهم وحياة الآخرين لخطر محدق.
الصورة التي التقطت مؤخرًا بهذه الطريق الساحلية الهادئة تختزل واقعًا مقلقًا بات يطبع شوارع العديد من المدن المغربية، حيث أضحت هذه الممارسات ظاهرة وطنية تمتد من الشمال إلى الجنوب، سواء عبر التشبث بالحافلات والشاحنات أو عبر القيادة العشوائية للدراجات الهوائية وسط الطرقات دون احترام لقواعد المرور.
ورغم بساطة الدافع لدى هؤلاء الأطفال حب المغامرة أو اللهو أو التحدي بين الأصدقاء فإن النتيجة قد تكون كارثية. فمع أي توقفٍ مفاجئ أو انزلاقٍ غير متوقع، قد يجد الطفل نفسه ضحية حادثٍ مميت. وفي الوقت نفسه، يشكل هذا السلوك خطرًا على السائقين الذين يفاجَؤون بأطفالٍ يلتصقون بمركباتهم من الخلف، مما يربك حركة السير ويزيد احتمال وقوع حوادث مروعة، خاصة في المنعرجات أو أثناء الضغط المفاجئ على الفرامل.
ما يزيد من تفاقم الظاهرة هو غياب التوعية الكافية والمراقبة المستمرة من طرف أولياء الأمور. فالأطفال في هذا السن يحتاجون إلى التوجيه والمواكبة، لا إلى الإهمال. ومن هنا، تبرز المسؤولية الأسرية والتربوية كركيزة أساسية في التصدي لهذه السلوكيات، إذ يجب على الآباء والأمهات أن يشرحوا لأبنائهم خطورة مثل هذه التصرفات، وأن يغرسوا فيهم مبادئ السلامة والاحترام لقوانين الطريق.
كما أن الدور لا يقتصر على الأسرة فقط، بل يشمل كذلك المؤسسات التعليمية، والجمعيات المدنية، والسلطات المحلية، من خلال تنظيم حملات تحسيسية ميدانية وإعلامية، موجهة خصوصًا إلى فئة المراهقين والأطفال، لتوعيتهم بخطورة هذه التصرفات، وإبراز الجانب القانوني الذي يجرّم مثل هذه الممارسات، حماية لهم قبل غيرهم.
إن هذه الظاهرة، وإن بدت للبعض عابرة أو بسيطة، فهي في حقيقتها مؤشر على خللٍ سلوكي وتربوي يجب التعامل معه بجدية، لأن أطفال اليوم هم رجال الغد. فتركهم يعتادون على الاستهتار بالقانون وعدم تقدير المخاطر يعني بناء جيلٍ متهورٍ يستهين بالحياة والأنظمة.
من هنا، تصبح الصرامة في المراقبة وتطبيق القانون ضرورة، ليس بغرض العقاب فقط، ولكن كوسيلة للإصلاح والردع، حتى يدرك الجميع أن الطريق فضاء عام تحكمه القواعد، لا مجال فيه للعب والمغامرة.
رسالة إلى المجتمع المغربي
الطريق ليست ساحة لعب، والحافلة ليست وسيلة للتسلية، والطفل الذي يتشبث بها ليس شجاعًا بل مغرّرًا به.
فحين نرى هذه المشاهد تتكرر في شوارعنا، يجب ألا نكتفي بالتصوير أو التذمر، بل نتحرك جميعًا – أسرة، مدرسة، مجتمعًا وسلطات – لبناء وعيٍ جماعي يجعل من احترام الحياة أولوية، ومن السلامة الطرقية ثقافة يومية لا شعارًا عابرًا.
فالمغرب الذي نريده هو مغربُ الوعي والمسؤولية، لا مغربُ الاستهتار والمجازفة، ومغربُ الأطفال الذين يسيرون إلى مدارسهم بأمان، لا الذين يلاحقون الحافلات في مغامرة قد لا يعودون منها.
